رحلة يوم

رحلة يوم
Photo by Dino Reichmuth / Unsplash

حينما تبدأ رحلة نوم مليئة بآمال و أحلام و أفكار متشابكة تنتظر نور الصباح بفارغ الصبر لتقوم بتفريغها علي ورق لتُعيد ترتيبها و إستيعابها و إدراك المعاني المدفونة بداخل حروفها ..

تستيقظ عدة مرات شوقاً وقلقاً وخوفاً من نسيان أي فكرة من كثرة تشعباتها لتنظر إلي نافذة غرفتك لتشعر أن القمر يعاندك ويأبى الراحة ليترك الوظيفة للشمس وكأنه قرر أخذ ساعات إضافية غير مدفوعة الأجر ...

فا تضطر أن تعود لمحاولة الغوص مرة أخرى بحثاً عن بقعة هادئة في مستنقع أفكارك التي أيضا تعاندك و ترفض الهدوء لتسمح لك بفصل التيار عن عقلك كي يستطيع الذهاب إلي مكان أو زمان لاتستطيع الوصول إليه .. لتستيقظ مرة أخرى سريعاً في محاولة منك لمداهمة هاتفك قبل ان يصل للدقيقة المُدرجة في العقد بينك و بينه الذي تسمح له فيها للوصول لنشوته في إصدار أصواته المزعجة لإيقاظك ..

و بعد لحظات من الشعور بالإنتصار عليه فجأة تشعر بصباح مختلف عن ما كنت تحلم به .. صباح ملئ بضوضاء خارجية مكونة من ماكينات تعمل بلا مُراقب و مُراقبين يُصيحون بلا داعي .. و هاتفك الملتوي يجد أعذاراً أخرى لإزعاجك بل وينقل الإزعاج إلي مستوي آخر فهو الآن لا يكتفي بأن تضعه علي وجهه ليصمت إيماءاً للإتفاقية المسبقة بل أصبحت مضطر للتواصل مع شخص إستطاع هاتفك الملتوي أن يُوصِله إلي سريرك بغتتةً ليقتحم صباحك الذي كنت تحلم به ... تخرج من غرفتك متجهاً إلي مكتبك علي بعد بضع أقدام في وسط تلقي تحية غير مبررة و كأنك بطل حرب إنتهت قبل أن تكتشف وجود الحياة و عبارات غير مفهومة و كأنك في بلدة تتحدث لغة لأول مرة تسمعها .. و أخيرا تصل إلي مكتبك بعد رحلة ميدانية قصيرة المسافة طويلة الزمن ..

لتستقر علي كرسي المكتب ليبدأ في إصدار أصوات خبيثة وغير مباشرة إعتراضاً منه علي زيادة وزنك .. تتجاهلهُ و تمد يدك أخيراً لإختيار القلم الذي سيُساعدك في تخفيف أحمال أفكارك من مخزون عقلك الممتلئ لِتصطدم مرة أخرى في واقع عدم وجود غير قلم وحيد كهل حزين يعاني من حالة جفاف و في نفس الوقت يعاني من إلتهاب في صمام ( البلية ) فاقد القدرة علي التحكم في كمية الحبر المطلوبة منه .. تسيل منه بضع قطرات الحبر المتجلطة و فقد غطاء رأسه بعد سنين طويلة من إجبارِه علي كتابة كلمات كثيرة دون الأخذ برأيه في أي منها .. تخلَّى عنه رفقاء العُلبة الذي أتى بها و إنطلقوا في رحلات ميدانية وتـركوه في مقلمة المٌسنِّين ..... فا تُقرر أن تحتضنه و تتقبله في محاولة منك لإكمال مهمتك الأساسية لتنتهي حلول الأرض و ترتطم بصخرة الواقع الأليم لتجد يداك تخونك في كتابة أشياء أخرى لن تخفف من حمل رأسك .. بالعكس .. لتُدرك ماكنت علي وشك فعله بهذا القلم الحزين ...

(( كربون !! مستندات !! انا أرجع اكتب تاني علي كربون عشان الطابعة بايظة و مش عايزين تصلحوها يا ولاد القحبة)) ...

وستظل اكثر كلمة معبرة في جميع انواع اللغات و اللهجات .... أحا

((انا ايه اللي جابني هنا ))

ولا ألوم ردة فعلي أو دهشة الشخص الذي يأتيني بعدها كله إشراق لبداية يوم جديد من عمله الذي يحبه لأسبابه الشخصية التي لا اتدخل فيها ولا أحكم عليها ليبدأ في إلقاء التحية بنفس اللهجة التي أبدأ في استعاده مرادفاتها تدريجيا بعد واقع الصدمة قائلا :

  • صباح العسل ياقيادة
    • صباح الخرا علي دماغكو

اعذرني فا أنت لا تعلم كيف كانت رحلتي من غرفتي إلي مكتبي الذي يقع علي بعد خمسة أمتار .